فصل: تفسير الآية رقم (21)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الجلالين ***


سورة المجادلة

تفسير الآية رقم ‏[‏1‏]‏

‏{‏قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ‏(‏1‏)‏‏}‏

‏{‏قَدْ سَمِعَ الله قَوْلَ التى تجادلك‏}‏ تراجعك أيها النبيّ ‏{‏فِى زَوْجِهَا‏}‏ المظاهر منها، وكان قال لها‏:‏ أنتِ عَلَيَّ كظهر أمي، وقد سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأجابها بأنها حرمت عليه على ما هو المعهود عندهم من أن الظهار موجبه فرقة مؤبدة وهي خولة بنت ثعلبة وهو أوس بن الصامت ‏{‏وَتَشْتَكِى إِلَى الله‏}‏ وحدتها وفاقتها وصبية صغاراً إن ضمتهم إليه ضاعوا أو إليها جاعوا ‏{‏والله يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُما‏}‏ تراجعكما ‏{‏إِنَّ الله سَمِيعٌ بَصِيرٌ‏}‏ عالم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏2‏]‏

‏{‏الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ ‏(‏2‏)‏‏}‏

‏{‏الذين يظاهرون‏}‏ أصله ‏(‏يتظهرون‏)‏ أدغمت التاء في الظاء وفي قراءة ‏(‏يتظاهرون‏)‏ بألف بين الظاء والهاء الخفيفة وفي أخرى كيقاتِلُونَ والموضع الثاني كذلك ‏{‏مِنكُمْ مِّن نِّسَائِهِمْ مَّا هُنَّ أمهاتهم إِنْ أمهاتهم إِلاَّ الائى‏}‏ بهمزة وياء وبلا ياء ‏{‏وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ‏}‏ بالظهار ‏{‏لَيَقُولُونَ مُنكَراً مّنَ القول وَزُوراً‏}‏ كذباً ‏{‏وَإِنَّ الله لَعَفُوٌّ غَفُورٌ‏}‏ للمظاهر بالكفارة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏3‏]‏

‏{‏وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ‏(‏3‏)‏‏}‏

‏{‏والذين يظاهرون مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ‏}‏ أي فيه بأَن يخالفوه بإمساك المظاهر منها الذي هو خلاف مقصود الظهار من وصف المرأة بالتحريم ‏{‏فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ‏}‏ أي إعتاقها عليه ‏{‏مّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا‏}‏ بالوطء ‏{‏ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ والله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏4‏]‏

‏{‏فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ ‏(‏4‏)‏‏}‏

‏{‏فَمَن لَّمْ يَجِدْ‏}‏ رقبة ‏{‏فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ‏}‏ أي الصيام ‏{‏فَإِطْعَامُ سِتّينَ مِسْكِيناً‏}‏ عليه‏:‏ أي من قبل أن يتماسا حملاً للمطلق على المقيد لكل مسكين مدٌّ من غالب قوت البلد ‏{‏ذلك‏}‏ أي التخفيف في الكفارة ‏{‏لِتُؤْمِنُواْ بالله وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ‏}‏ أي الأحكام المذكورة ‏{‏حُدُودُ الله وللكافرين‏}‏ بها ‏{‏عَذَابٌ أَلِيمٌ‏}‏ مؤلم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏5‏]‏

‏{‏إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنْزَلْنَا آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ ‏(‏5‏)‏‏}‏

‏{‏إِنَّ الذين يُحَادُّونَ‏}‏ يخالفون ‏{‏الله وَرَسُولَهُ كُبِتُواْ‏}‏ أذلوا ‏{‏كَمَا كُبِتَ الذين مِن قَبْلِهِمْ‏}‏ في مخالفتهم رسلهم ‏{‏وَقَدْ أَنزَلْنَا ءايات بينات‏}‏ دالة على صدق الرسول ‏{‏وللكافرين‏}‏ بالآيات ‏{‏عَذَابٌ مُّهِينٌ‏}‏ ذو إهانة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏6‏]‏

‏{‏يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ‏(‏6‏)‏‏}‏

‏{‏يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ الله جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُواْ أحصاه الله وَنَسُوهُ والله على كُلّ شَئ شَهِيدٌ‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏7‏]‏

‏{‏أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ‏(‏7‏)‏‏}‏

‏{‏أَلَمْ تَرَ‏}‏ تعلم ‏{‏أَنَّ الله يَعْلَمُ مَا فِى السماوات وَمَا فِى الأرض مَا يَكُونُ مِن نجوى ثلاثة إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ‏}‏ بعلمه ‏{‏وَلاَ خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلاَ أدنى مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُواْ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُواْ يَوْمَ القيامة إِنَّ الله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏8‏]‏

‏{‏أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ ‏(‏8‏)‏‏}‏

‏{‏أَلَمْ تَرَ‏}‏ تنظر ‏{‏إِلَى الذين نُهُواْ عَنِ النجوى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ ويتناجون بالإثم والعدوان وَمَعْصِيَتِ الرسول‏}‏ هم اليهود نهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عما كانوا يفعلون من تناجيهم، أي تحدّثهم سراًّ ناظرين إلى المؤمنين ليوقعوا في قلوبهم الريبة ‏{‏وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ‏}‏ أيها النبيّ ‏{‏بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ الله‏}‏ وهو قولهم السَّام عليك، أي الموت ‏{‏وَيَقُولُونَ فِى أَنفُسِهِمْ لَوْلاَ‏}‏ هلا ‏{‏يُعَذِّبُنَا الله بِمَا نَقُولُ‏}‏ من التحية وأنه ليس بنبيّ إن كان نبياً‏؟‏ ‏{‏حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ المصير‏}‏ هي‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏9‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ‏(‏9‏)‏‏}‏

‏{‏ياأيها الذين ءامَنُواْ إِذَا تناجيتم فَلاَ تتناجوا بالإثم والعدوان وَمَعْصِيتِ الرسول وتناجوا بالبر والتقوى واتقوا الله الذى إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏10‏]‏

‏{‏إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ‏(‏10‏)‏‏}‏

‏{‏إِنَّمَا النجوى‏}‏ بالإِثم ونحوه ‏{‏مِنَ الشيطان‏}‏ بغروره ‏{‏لِيَحْزُنَ الذين ءامَنُواْ وَلَيْسَ‏}‏ هو ‏{‏بِضَارّهِمْ شَيْئاً إِلاَّ بِإِذْنِ الله‏}‏ أي إرادته ‏{‏وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ المؤمنون‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏11‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ‏(‏11‏)‏‏}‏

‏{‏ياأيها الذين ءَامَنُواْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُواْ‏}‏ توسعوا ‏{‏فِى المجالس‏}‏ مجلس النبي صلى الله عليه وسلم أوالذكر حتى يجلس من جاءكم وفي قراءة المجلس ‏{‏فافسحوا يَفْسَحِ الله لَكُمْ‏}‏ في الجنة ‏{‏وَإِذَا قِيلَ‏}‏ لكم ‏{‏انشزوا‏}‏ قوموا إلى الصلاة وغيرها من الخيرات ‏{‏فَانشُزُواْ‏}‏ وفي قراءة بضم الشين فيهما ‏{‏يَرْفَعِ الله الذين ءامَنُواْ مِنكُمْ‏}‏ بالطاعة في ذلك ‏{‏وَ‏}‏ يرفع ‏{‏الذين أُوتُواْ العلم درجات‏}‏ في الجنة ‏{‏والله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏12‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ‏(‏12‏)‏‏}‏

‏{‏ياأيها الذين ءَامَنُواْ إِذَا ناجيتم الرسول‏}‏ أردتم مناجاته ‏{‏فَقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَىْ نجواكم‏}‏ قبلها ‏{‏صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَأَطْهَرُ‏}‏ لذنوبكم ‏{‏فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ‏}‏ مَا تتصدَّقون به ‏{‏فَإِنَّ الله غَفُورٌ‏}‏ لمناجاتكم ‏{‏رَّحِيمٌ‏}‏ بكم، يعني فلا عليكم في المناجاة من غير صدقة، ثم نسخ ذلك بقوله‏:‏

تفسير الآية رقم ‏[‏13‏]‏

‏{‏أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ‏(‏13‏)‏‏}‏

‏{‏ءَأَشْفَقْتُمْ‏}‏ بتحقيق الهمزتين وإبدال الثانية ألفاً وتسهيلها وإدخال ألف بين المسهلة والأخرى وتركه، أي خفتم من ‏{‏أَن تُقَدّمُواْ بَيْنَ يَدَىْ نجواكم صدقات‏}‏ لفقر ‏{‏فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُواْ‏}‏ الصدقة ‏{‏وَتَابَ الله عَلَيْكُمْ‏}‏ رجع بكم عنها ‏{‏فأَقِيمُواْ الصلاوة وَءَاتُواْ الزكاوة وَأَطِيعُواْ الله وَرَسُولَهُ‏}‏ أي دوموا على ذلك ‏{‏والله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏14‏]‏

‏{‏أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ‏(‏14‏)‏‏}‏

‏{‏أَلَمْ تَرَ‏}‏ تنظر ‏{‏إِلَى الذين تَوَلَّوْاْ‏}‏ هم المنافقون ‏{‏قَوْماً‏}‏ هم اليهود ‏{‏غَضِبَ الله عَلَيْهِم مَّا هُم‏}‏ أي المنافقون ‏{‏مِّنكُمْ‏}‏ من المؤمنين ‏{‏وَلاَ مِنْهُمْ‏}‏ من اليهود بل هم مذبذبون ‏{‏وَيَحْلِفُونَ عَلَى الكذب‏}‏ أي قولهم إنهم مؤمنون ‏{‏وَهُمْ يَعْلَمُونَ‏}‏ أنهم كاذبون فيه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏15‏]‏

‏{‏أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ‏(‏15‏)‏‏}‏

‏{‏أَعَدَّ الله لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ‏}‏ من المعاصي‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏16‏]‏

‏{‏اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ‏(‏16‏)‏‏}‏

‏{‏اتخذوا أيمانهم جُنَّةً‏}‏ ستراً عن أنفسهم وأموالهم ‏{‏فَصَدُّواْ‏}‏ بها المؤمنين ‏{‏عَن سَبِيلِ الله‏}‏ أي الجهاد فيهم بقتلهم وأخذ أموالهم ‏{‏فَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ‏}‏ ذو إهانة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏17‏]‏

‏{‏لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ‏(‏17‏)‏‏}‏

‏{‏لَن تُغْنِىَ عَنْهُمْ أموالهم وَلاَ أولادهم مِّنَ الله‏}‏ من عذابه ‏{‏شَيْئاً‏}‏ من الإِغناء ‏{‏أولئك أصحاب النار هُمْ فِيهَا خالدون‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏18‏]‏

‏{‏يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ ‏(‏18‏)‏‏}‏

اذكر ‏{‏يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ الله جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ‏}‏ أنهم مؤمنون ‏{‏كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ على شَئ‏}‏ من نفع حلفهم في الآخرة كالدنيا ‏{‏أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ الكاذبون‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏19‏]‏

‏{‏اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ ‏(‏19‏)‏‏}‏

‏{‏استحوذ‏}‏ استولى ‏{‏عَلَيْهِمُ الشيطان‏}‏ بطاعتهم له ‏{‏فأنساهم ذِكْرَ الله أولئك حِزْبُ الشيطان‏}‏ أتباعه ‏{‏أَلاَ إِنَّ حِزْبَ الشيطان هُمُ الخاسرون‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏20‏]‏

‏{‏إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ ‏(‏20‏)‏‏}‏

‏{‏إِنَّ الذين يُحَادُّونَ‏}‏ يخالفون ‏{‏الله وَرَسُولَهُ أولئك فِى الأذلين‏}‏ المغلوبين‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏21‏]‏

‏{‏كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ ‏(‏21‏)‏‏}‏

‏{‏كَتَبَ الله‏}‏ في اللوح المحفوظ أو قضى ‏{‏لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِى‏}‏ بالحجة أو السيف ‏{‏إِنَّ الله قَوِىٌّ عَزِيزٌ‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏22‏]‏

‏{‏لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آَبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ‏(‏22‏)‏‏}‏

‏{‏لاَّ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بالله واليوم الأخر يُوَادُّونَ‏}‏ يصادقون ‏{‏مَنْ حَادَّ الله وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُواْ‏}‏ أي المحادّون ‏{‏ءَابَاءَهُمُ‏}‏ أي المؤمنين ‏{‏أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إخوانهم أَوْ عَشِيرَتَهُمْ‏}‏ بل يقصدونهم بالسوء ويقاتلونهم على الإِيمان كما وقع لجماعة من الصحابة رضي الله عنهم ‏{‏أولئك‏}‏ الذين لا يوادّونهم ‏{‏كَتَبَ‏}‏ أثبت ‏{‏فِى قُلُوبِهِمُ الإيمان وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ‏}‏ بنور ‏{‏مِنْهُ‏}‏ تعالى ‏{‏وَيُدْخِلُهُمْ جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار خالدين فِيهَا رَضِىَ الله عَنْهُمْ‏}‏ بطاعته ‏{‏وَرَضُواْ عَنْهُ‏}‏ بثوابه ‏{‏أولئك حِزْبُ الله‏}‏ يتبعون أمره ويجتنبون نهيه ‏{‏أَلاَ إِنَّ حِزْبَ الله هُمُ المفلحون‏}‏ الفائزون‏.‏

سورة الحشر

تفسير الآية رقم ‏[‏1‏]‏

‏{‏سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ‏(‏1‏)‏‏}‏

‏{‏سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِى السماوات وَمَا فِى الأرض‏}‏ أي نزهه فاللام مزيدة وفي الإتيان ب ‏(‏ما‏)‏ تغليب للأكثر ‏{‏وَهُوَ العزيز الحكيم‏}‏ في ملكه وصنعه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏2‏]‏

‏{‏هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ ‏(‏2‏)‏‏}‏

‏{‏هُوَ الذى أَخْرَجَ الذين كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الكتاب‏}‏ هم بنو النضير من اليهود ‏{‏مِن ديارهم‏}‏ مساكنهم بالمدينة ‏{‏لأَوَّلِ الحشر‏}‏ هو حشرهم إلى الشام وآخره أن أجلاهم عمر في خلافته إلى خيبر ‏{‏مَا ظَنَنتُمْ‏}‏ أيها المؤمنون ‏{‏أَن يَخْرُجُواْ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ مَّانِعَتُهُمْ‏}‏ خبر أن ‏{‏حُصُونُهُم‏}‏ فاعله تم به الخبر ‏{‏مِنَ الله‏}‏ من عذابه ‏{‏فأتاهم الله‏}‏ أمره وعذابه ‏{‏مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُواْ‏}‏ لم يخطر ببالهم من جهة المؤمنين ‏{‏وَقَذَفَ‏}‏ ألقى ‏{‏فِى قُلُوبِهِمُ الرعب‏}‏ بسكون العين وضمها، الخوف بقتل سيدهم كعب بن الأشرف ‏{‏يُخْرِبُونَ‏}‏ بالتشديد والتخفيف من أخْرب ‏{‏بُيُوتَهُمْ‏}‏ لينقلوا ما استحسنوه منها من خشب وغيره ‏{‏بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِى المؤمنين فاعتبروا ياأولى الأبصار‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏3‏]‏

‏{‏وَلَوْلَا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ ‏(‏3‏)‏‏}‏

‏{‏وَلَوْلاَ أَن كَتَبَ الله‏}‏ قضى ‏{‏عَلَيْهِمُ الجلاء‏}‏ الخروج من الوطن ‏{‏لَعَذَّبَهُمْ فِى الدنيا‏}‏ بالقتل والسبي كما فعل بقريظة من اليهود ‏{‏وَلَهُمْ فِى الأخرة عَذَابُ النار‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏4‏]‏

‏{‏ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ‏(‏4‏)‏‏}‏

‏{‏ذلك بِأَنَّهُمْ شَاقُّواْ‏}‏ خالفوا ‏{‏الله وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقّ الله فَإِنَّ الله شَدِيدُ العقاب‏}‏ له‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏5‏]‏

‏{‏مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ ‏(‏5‏)‏‏}‏

‏{‏مَا قَطَعْتُمْ‏}‏ يا مسلمون ‏{‏مِّن لِّينَةٍ‏}‏ نخلة ‏{‏أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً على أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ الله‏}‏ أي خيّركم في ذلك ‏{‏وَلِيُخْزِىَ‏}‏ بالإِذن في القطع ‏{‏الفاسقين‏}‏ اليهود في اعتراضهم أن قطع الشجر المثمر فساد‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏6‏]‏

‏{‏وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ‏(‏6‏)‏‏}‏

‏{‏وَمَا أَفَاءَ‏}‏ ردّ ‏{‏الله على رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ‏}‏ أسرعتم يا مسلمون ‏{‏عَلَيْهِ مِنْ‏}‏ زائدة ‏{‏خَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ‏}‏ إبل، أي لم تقاسوا فيه مشقة ‏{‏ولكن الله يُسَلِّطُ رُسُلَهُ على مَن يَشَاءُ والله على كُلِّ شَئ قَدِيرٌ‏}‏ فلا حقّ لكم فيه ويختص به النبيّ صلى الله عليه وسلم ومن ذكر معه في الآية الثانية من الأصناف الأربعة على ما كان يقسمه من أنَّ لكل منهم خمس الخمس وله صلى الله عليه وسلم الباقي يفعل فيه ما يشاء فأعطى المهاجرين وثلاثة من الأنصار لفقرهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏7‏]‏

‏{‏مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ‏(‏7‏)‏‏}‏

‏{‏مَّا أَفَاءَ الله على رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ القرى‏}‏ كالصفراء ووادي القرى وينبع ‏{‏فَلِلَّهِ‏}‏ يأمر فيه بما يشاء ‏{‏وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى‏}‏ صاحب ‏{‏القربى‏}‏ قرابة النبي من بني هاشم وبني المطلب ‏{‏واليتامى‏}‏ أطفال المسلمين‏:‏ الذين هلكت آباؤهم وهم فقراء ‏{‏والمساكين‏}‏ ذوي الحاجة من المسلمين ‏{‏وابن السبيل‏}‏ المنقطع في سفره من المسلمين، أي يستحقه النبي صلى الله عليه وسلم والأصناف الأربعة على ما كان يقسمه من أن لكل من الأربعة خمس الخمس وله الباقي ‏{‏كَى لاَ‏}‏ كي بمعنى اللام وأن مقدّرة بعدها ‏{‏يَكُونَ‏}‏ الفيء علة لقسمه كذلك ‏{‏دُولَةً‏}‏ متداولاً ‏{‏بَيْنَ الأغنياء مِنكُمْ وَمَا ءاتاكم‏}‏ أعطاكم ‏{‏الرسول‏}‏ من الفيء وغيره ‏{‏فَخُذُوهُ وَمَا نهاكم عَنْهُ فانتهوا واتقوا الله إِنَّ الله شَدِيدُ العقاب‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏8‏]‏

‏{‏لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ‏(‏8‏)‏‏}‏

‏{‏لِلْفُقَرَاءِ‏}‏ متعلق بمحذوف، أي أعجبوا ‏{‏المهاجرين الَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن ديارهم وأموالهم يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ الله ورضوانا وَيَنصُرُونَ الله وَرَسُولَهُ أولئك هُمُ الصادقون‏}‏ في إيمانهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏9‏]‏

‏{‏وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ‏(‏9‏)‏‏}‏

‏{‏والذين تَبَوَّءُو الدار‏}‏ أي المدينة ‏{‏والإيمان‏}‏ أي ألفوه وهم الأنصار ‏{‏مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَجِدُونَ فِى صُدُورِهِمْ حَاجَةً‏}‏ حسداً ‏{‏مّمَّا أُوتُواْ‏}‏ أي آتى النبي صلى الله عليه وسلم المهاجرين من أموال بني النضير المختصة به ‏{‏وَيُؤْثِرُونَ على أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ‏}‏ حاجة إلى ما يؤثرون به ‏{‏وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ‏}‏ حرصها على المال ‏{‏فأولئك هُمُ المفلحون‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏10‏]‏

‏{‏وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ‏(‏10‏)‏‏}‏

‏{‏والذين جَاءُو مِّن بَعْدِهِمْ‏}‏ من بعد المهاجرين والأنصار إلى يوم القيامة ‏{‏يَقُولُونَ رَبَّنَا اغفر لَنَا ولإخواننا الذين سَبَقُونَا بالإيمان وَلاَ تَجْعَلْ فِى قُلُوبِنَا غِلاًّ‏}‏ حقداً ‏{‏لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏11‏]‏

‏{‏أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ‏(‏11‏)‏‏}‏

‏{‏أَلَمْ تَرَ‏}‏ تنظر ‏{‏إِلَى الذين نَافَقُواْ يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ الذين كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الكتاب‏}‏ وهم بنو النضير وإخوانهم في الكفر ‏{‏لَئِنْ‏}‏ لام قسم في الأربعة ‏{‏أُخْرِجْتُمْ‏}‏ من المدينة ‏{‏لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلاَ نُطِيعُ فيكُمْ‏}‏ في خذلانكم ‏{‏أَحَداً أَبَداً وَإِن قُوتِلْتُمْ‏}‏ حذفت منه اللام الموطئة ‏{‏لَنَنصُرَنَّكُمْ والله يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لكاذبون‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏12‏]‏

‏{‏لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ ‏(‏12‏)‏‏}‏

‏{‏لَئِنْ أُخْرِجُواْ لاَ يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِن قُوتِلُواْ لاَ يَنصُرُونَهُمْ وَلَئِن نَّصَرُوهُمْ‏}‏ أي جاؤوا لنصرهم ‏{‏لَيُوَلُّنَّ الأدبار‏}‏ واستغنى بجواب القسم المقدّر عن جواب الشرط في المواضع الخمسة ‏{‏ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ‏}‏ أي اليهود‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏13‏]‏

‏{‏لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ ‏(‏13‏)‏‏}‏

‏{‏لأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً‏}‏ خوفاً ‏{‏فِى صُدُورِهِمْ‏}‏ أي المنافقين ‏{‏مِنَ الله‏}‏ لتأخير عذابه ‏{‏ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏14‏]‏

‏{‏لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ ‏(‏14‏)‏‏}‏

‏{‏لاَ يقاتلونكم‏}‏ أي اليهود ‏{‏جَمِيعاً‏}‏ مجتمعين ‏{‏إِلاَّ فِى قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاءِ جُدُرٍ‏}‏ أسوار وفي قراءة جدران ‏{‏بَأْسُهُمْ‏}‏ حربهم ‏{‏بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً‏}‏ مجتمعين ‏{‏وَقُلُوبُهُمْ شتى‏}‏ متفرقة خلاف الحسبان ‏{‏ذلك بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏15‏]‏

‏{‏كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيبًا ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ‏(‏15‏)‏‏}‏

مثلهم في ترك الإِيمان ‏{‏كَمَثَلِ الذين مِن قَبْلِهِمْ قَرِيباً‏}‏ بزمن قريب وهم أهل بدر من المشركين ‏{‏ذَاقُواْ وَبَالَ أَمْرِهِمْ‏}‏ عقوبته في الدنيا من القتل وغيره ‏{‏وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ‏}‏ مؤلم في الآخرة‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏16‏]‏

‏{‏كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ‏(‏16‏)‏‏}‏

مثلهم أيضاً في سماعهم من المنافقين وتخلفهم عنهم ‏{‏كَمَثَلِ الشيطان إِذْ قَالَ للإنسان اكفر فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنّى بَرِئ مِّنكَ إِنّى أَخَافُ الله رَبَّ العالمين‏}‏ كذباً منه ورياء‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏17‏]‏

‏{‏فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ ‏(‏17‏)‏‏}‏

‏{‏فَكَانَ عاقبتهما‏}‏ أي الغاوي والمغوي وقرئ بالرفع اسم كان ‏{‏أَنَّهُمَا فِى النار خالدين فِيهَا وَذَلِكَ جزاؤا الظالمين‏}‏ الكافرين‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏18‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ‏(‏18‏)‏‏}‏

‏{‏ياأيها الذين ءَامَنُواْ اتقوا الله وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ‏}‏ ليوم القيامة ‏{‏واتقوا الله إِنَّ الله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏19‏]‏

‏{‏وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ‏(‏19‏)‏‏}‏

‏{‏وَلاَ تَكُونُواْ كالذين نَسُواْ الله‏}‏ تركوا طاعته ‏{‏فأنساهم أَنفُسَهُمْ‏}‏ أن يقدموا لها خيراً ‏{‏أولئك هُمُ الفاسقون‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏20‏]‏

‏{‏لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ ‏(‏20‏)‏‏}‏

‏{‏لاَ يَسْتَوِى أصحاب النار أصحاب الجنة وأصحاب الجنة هُمُ الفائزون‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏21‏]‏

‏{‏لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ‏(‏21‏)‏‏}‏

‏{‏لَوْ أَنزَلْنَا هذا القرءان على جَبَلٍ‏}‏ وجعل فيه تمييز كالإِنسان ‏{‏لَّرَأَيْتَهُ خاشعا مُّتَصَدِّعاً‏}‏ متشققاً ‏{‏مِّنْ خَشْيَةِ الله وَتِلْكَ الأمثال‏}‏ المذكورة ‏{‏نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ‏}‏ فيؤمنون‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏22‏]‏

‏{‏هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ‏(‏22‏)‏‏}‏

‏{‏هُوَ الله الذى لاَ إله إِلاَّ هُوَ عَالِمُ الغيب والشهادة‏}‏ السرّ والعلانية ‏{‏هُوَ الرحمن الرحيم‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏23‏]‏

‏{‏هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ ‏(‏23‏)‏‏}‏

‏{‏هُوَ الله الذى لاَ إله إِلاَّ هُوَ الملك القدوس‏}‏ الطاهر عما لا يليق به ‏{‏السلام‏}‏ ذو السلامة من النقائص ‏{‏المؤمن‏}‏ المصدّق رسله بخلق المعجزة لهم ‏{‏المهيمن‏}‏ من هَيْمَنَ يهيمن إذا كان رقيباً على الشيء، أي الشهيد على عباده بأعمالهم ‏{‏العزيز‏}‏ القوي ‏{‏الجبار‏}‏ جبر خلقه على ما أرادَ ‏{‏المتكبر‏}‏ عما لا يليق به ‏{‏سبحان الله‏}‏ نزّه نفسه ‏{‏عَمَّا يُشْرِكُونَ‏}‏ به‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏24‏]‏

‏{‏هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ‏(‏24‏)‏‏}‏

‏{‏هُوَ الله الخالق البارئ‏}‏ المنشئ من العدم ‏{‏المصور لَهُ الأسماء الحسنى‏}‏ التسعة والتسعون الوارد بها الحديث، والحسنى مؤنث الأحسن ‏{‏يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِى السماوات والأرض وَهُوَ العزيز الحكيم‏}‏ تقدم أولها‏.‏

سورة الممتحنة

تفسير الآية رقم ‏[‏1‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ ‏(‏1‏)‏‏}‏

‏{‏ياأيها الذين ءَامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ عَدُوِّى وَعَدُوَّكُمْ‏}‏ أي كفار مكة ‏{‏أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ‏}‏ توصلون ‏{‏إِلَيْهِمُ‏}‏ قصد النبي صلى الله عليه وسلم غزوهم الذي أسرَّه إليكم وَوَرَّى بحُنَيْن ‏{‏بالمودة‏}‏ بينكم وبينهم، كتب حاطب بن أبي بلتعة إليهم كتاباً بذلك لما له عندهم من الأولاد والأهل المشركين فاستردّه النبي صلى الله عليه وسلم ممن أرسله معه بإعلام الله تعالى له بذلك وقبل عذر حاطب فيه ‏{‏وَقَدْ كَفَرُواْ بِمَا جَاءَكُمْ مِّنَ الحق‏}‏ أي دين الإِسلام والقرآن ‏{‏يُخْرِجُونَ الرسول وَإِيَّاكُمْ‏}‏ من مكة بتضييقهم عليكم ‏{‏أَن تُؤْمِنُواْ‏}‏ أي لأجل أن آمنتم ‏{‏بالله رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جهادا‏}‏ للجهاد ‏{‏فِى سَبِيلِى وابتغاء مَرْضَاتِى‏}‏ وجواب الشرط دل عليه ما قبله أي فلا تتخذوهم أولياء ‏{‏تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بالمودة وَأَنَاْ أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ‏}‏ أي إسرار خبر النبي إليهم ‏{‏فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السبيل‏}‏ أخطأ طريق الهدى والسواء في الأصل الوسط‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏2‏]‏

‏{‏إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ ‏(‏2‏)‏‏}‏

‏{‏إِن يَثْقَفُوكُمْ‏}‏ يظفروا بكم ‏{‏يَكُونُواْ لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ‏}‏ بالقتل والضرب ‏{‏وَأَلْسِنَتَهُمْ بالسوء‏}‏ بالسب والشتم ‏{‏وَوَدُّواْ‏}‏ تمنوا ‏{‏لَوْ تَكْفُرُونَ‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏3‏]‏

‏{‏لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ‏(‏3‏)‏‏}‏

‏{‏لَن تَنفَعَكُمْ أرحامكم‏}‏ قراباتكم ‏{‏وَلاَ أولادكم‏}‏ المشركون الذين لأجلهم أسررتم الخبر من العذاب في الآخرة ‏{‏يَوْمَ القيامة يَفْصِلُ‏}‏ بالبناء للمفعول والفاعل ‏{‏بَيْنِكُمْ‏}‏ وبينهم فتكونون في الجنة وهم في جملة الكفار في النار ‏{‏والله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏4‏]‏

‏{‏قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ‏(‏4‏)‏‏}‏

‏{‏قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ‏}‏ بكسر الهمزة وضمها في الموضعين، قدوة ‏{‏حَسَنَةٌ فِى إبراهيم‏}‏ أي به قولاً وفعلاً ‏{‏والذين مَعَهُ‏}‏ من المؤمنين ‏{‏إِذْ قَالُواْ لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَءَآؤُاْ‏}‏ جمع بريء كظريف ‏{‏مِّنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله كَفَرْنَا بِكُمْ‏}‏ أنكرناكم ‏{‏وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ العداوة والبغضاء أَبَداً‏}‏ بتحقيق الهمزتين وإبدال الثانية واواً ‏{‏حتى تُؤْمِنُواْ بالله وَحْدَهُ إِلاَّ قَوْلَ إبراهيم لأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ‏}‏ مستثنى من «أسوة» أي فليس لكم التأسي به في ذلك بأن تستغفروا للكفار وقوله ‏{‏وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ الله‏}‏ أي من عذابه وثوابه ‏{‏مِن شَئ‏}‏ كنى به عن أنه لا يملك له غير الاستغفار فهو مبني عليه مستثنى من حيث المراد منه وإن كان من حيث ظاهره مما يتأسى فيه ‏{‏قٌلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُم مِّنَ الله شَيْئًا‏}‏ واستغفاره له قبل أن يتبين ‏{‏لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لله‏}‏ ‏[‏114‏:‏ 9‏]‏ كما ذكرنا في براءة ‏{‏رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ المصير‏}‏ من مقول الخليل ومن معه أي وقالوا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏5‏]‏

‏{‏رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ‏(‏5‏)‏‏}‏

‏{‏رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ‏}‏ أي لا تظهرهم علينا فيظنوا أنهم على الحق فيفتنوا، أي تذهب عقولهم بنا ‏{‏واغفر لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنتَ العزيز الحكيم‏}‏ في ملكك وصنعك‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏6‏]‏

‏{‏لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ ‏(‏6‏)‏‏}‏

‏{‏لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ‏}‏ يا أمة محمد جواب قسم مقدر ‏{‏فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ‏}‏ بدل اشتمال من «كم» بإعادة الجار ‏{‏يَرْجُو الله واليوم الأخر‏}‏ أي يخافهما أو يظن الثواب والعقاب ‏{‏وَمَن يَتَوَلَّ‏}‏ بأن يوالي الكفار ‏{‏فَإِنَّ الله هُوَ الغنى‏}‏ عن خلقه ‏{‏الحميد‏}‏ لأهل طاعته‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏7‏]‏

‏{‏عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ‏(‏7‏)‏‏}‏

‏{‏عَسَى الله أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الذين عَادَيْتُم مِّنْهُم‏}‏ من كفار مكة طاعة لله تعالى ‏{‏مَّوَدَّةَ‏}‏ بأن يهديهم للإِيمان فيصيروا لكم أولياء ‏{‏والله قَدِيرٌ‏}‏ على ذلك وقد فعله بعد فتح مكة ‏{‏والله غَفُورٌ‏}‏ لهم ما سلف ‏{‏رَّحِيمٌ‏}‏ بهم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏8‏]‏

‏{‏لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ‏(‏8‏)‏‏}‏

‏{‏لاَّ ينهاكم الله عَنِ الذين لَمْ يقاتلوكم‏}‏ من الكفار ‏{‏فِى الدين وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مّن دياركم أَن تَبَرُّوهُمْ‏}‏ بدل اشتمال من الذين ‏{‏وَتُقْسِطُواْ‏}‏ تفضوا ‏{‏إِلَيْهِمُ‏}‏ بالقسط، أي بالعدل وهذا قبل الأمر بجهادهم ‏[‏5‏:‏ 47‏]‏ ‏{‏إِنَّ الله يُحِبُّ المقسطين‏}‏ العادلين‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏9‏]‏

‏{‏إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ‏(‏9‏)‏‏}‏

‏{‏إِنَّمَا ينهاكم الله عَنِ الذين قاتلوكم فِى الدين وَأَخْرَجُوكُم مّن دياركم وظاهروا‏}‏ عاونوا ‏{‏على إخراجكم أَن تَوَلَّوْهُمْ‏}‏ بدل اشتمال من الذين أي تتخذوهم أولياء ‏{‏وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فأولئك هُمُ الظالمون‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏10‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآَتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آَتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ‏(‏10‏)‏‏}‏

‏{‏ياأيها الذين ءَامَنُواْ إِذَا جَاءَكُمُ المؤمنات‏}‏ بألْسُنِهِنَّ ‏{‏مهاجرات‏}‏ من الكفار بعد الصلح معهم في الحديبية على أن من جاء منهم إلى المؤمنين يُرَدُّ ‏{‏فامتحنوهن‏}‏ بالحلف أنهنّ ما خرجن إلا رغبة في الإِسلام لا بغضاً لأزواجهنّ الكفار ولا عشقا لرجال من المسلمين كذا كان صلى الله عليه وسلم يحلفهن ‏{‏الله أَعْلَمُ بإيمانهن فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ‏}‏ ظننتموهنّ بالحلف ‏{‏مؤمنات فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ‏}‏ تردّوهنّ ‏{‏إِلَى الكفار لاَهُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلاَهُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَءَاتُوهُم‏}‏ أي أعطوا الكفار أزواجهنّ ‏{‏مَّا أَنفَقُواْ‏}‏ عليهنّ من المهور ‏{‏وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ‏}‏ بشرطه ‏{‏إِذَا ءَاتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ‏}‏ مهورهنّ ‏{‏وَلاَ تُمْسِكُواْ‏}‏ بالتشديد والتخفيف ‏{‏بِعِصَمِ الكوافر‏}‏ زوجاتكم لقطع إسلامكم لها بشرطه أو اللاحقات بالمشركين مرتدات لقطع ارتدادهنّ نكاحكم بشرطه ‏{‏وَسْئَلُواْ‏}‏ اطلبوا ‏{‏مَا أَنفَقْتُم‏}‏ عليهنّ من المهور في صورة الارتداد ممن تزوجن من الكفار ‏{‏وَلْيسْئَلُواْ مَا أَنْفَقُواْ‏}‏ على المهاجرات كما تقدم أنهم يؤتونه ‏{‏ذَلِكُمْ حُكْمُ الله يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ‏}‏ به ‏{‏والله عَلِيمٌ حَكِيمٌ‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏11‏]‏

‏{‏وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآَتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ ‏(‏11‏)‏‏}‏

‏{‏وَإِن فَاتَكُمْ شَئ مِّنْ أزواجكم‏}‏ أي واحدة فأكثر منهنّ أو شَيْء من مهورهنّ بالذهاب ‏{‏إِلَى الكفار‏}‏ مرتدات ‏{‏فَعَاقَبْتُمْ‏}‏ فغزوتم وغنمتم ‏{‏فَئَاتُواْ الذين ذَهَبَتْ أزواجهم‏}‏ من الغنيمة ‏{‏مِّثْلَ مَا أَنفَقُواْ‏}‏ لفواته عليهم من جهة الكفار ‏{‏واتقوا الله الذى أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ‏}‏ وقد فعل المؤمنون ما أمروا به من الإِيتاء للكفار والمؤمنين ثم ارتفع هذا الحكم‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏12‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ‏(‏12‏)‏‏}‏

‏{‏ياأيها النبى إِذَا جَاءَكَ المؤمنات يُبَايِعْنَكَ على أَن لاَّ يُشْرِكْنَ بالله شَيْئاً وَلاَ يَسْرِقْنَ وَلاَ يَزْنِينَ وَلاَ يَقْتُلْنَ أولادهن‏}‏ كما كان يفعل في الجاهلية من وأد البنات، أي دفنهن أحياء خوف العار والفقر ‏{‏وَلاَ يَأْتِينَ ببهتان يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ‏}‏ أي بولد ملقوط ينسبنه إلى الزوج وَصَفَهُ بصفة الولد الحقيقي، فإن الأم إذا وضعته سقط بين يديها ورجليها ‏{‏وَلاَ يَعْصِينَكَ فِى‏}‏ فعل ‏{‏مَعْرُوفٍ‏}‏ هو ما وافق طاعة الله كترك النياحة وتمزيق الثياب وجزّ الشعور وشق الجيب وخمش الوجه ‏{‏فَبَايِعْهُنَّ‏}‏ فعل ذلك صلى الله عليه وسلم بالقول ولم يصافح واحدة منهنّ ‏{‏واستغفر لَهُنَّ الله إِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏13‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآَخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ ‏(‏13‏)‏‏}‏

‏{‏ياأيها الذين ءامَنُواْ لاَ تَتَوَلَّوْاْ قوْماً غَضِبَ الله عَلَيْهِمْ‏}‏ هم اليهود ‏{‏قَدْ يَئِسُواْ مِنَ الأخرة‏}‏ أي من ثوابها مع إيقانهم بها لعنادهم للنبي مع علمهم بصدقه ‏{‏كَمَا يَئِسَ الكفار‏}‏ الكائنون ‏{‏مِنْ أصحاب القبور‏}‏ أي المقبورين من خير الآخرة، إذ تعرض عليهم مقاعدهم من الجنة لو كانوا آمنوا وما يصيرون إليه من النار‏.‏

سورة الصف

تفسير الآية رقم ‏[‏1‏]‏

‏{‏سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ‏(‏1‏)‏‏}‏

‏{‏سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِى السماوات وَمَا فِى الأرض‏}‏ أي نزهه فاللام مزيدة وجيء بما دون «من» تغليباً للأكثر ‏{‏وَهُوَ العزيز‏}‏ في ملكه ‏{‏الحكيم‏}‏ في صنعه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏2‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ ‏(‏2‏)‏‏}‏

‏{‏ياأيها الذين ءَامَنُواْ لِمَ تَقُولُونَ‏}‏ في طلب الجهاد ‏{‏مَا لاَ تَفْعَلُونَ‏}‏ إذ انهزمتم بأحد‏؟‏

تفسير الآية رقم ‏[‏3‏]‏

‏{‏كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ ‏(‏3‏)‏‏}‏

‏{‏كَبُرَ‏}‏ عظم ‏{‏مَقْتاً‏}‏ تمييز ‏{‏عِندَ الله أَن تَقُولُواْ‏}‏ فاعل كبر ‏{‏مَا لاَ تَفْعَلُونَ‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏4‏]‏

‏{‏إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ ‏(‏4‏)‏‏}‏

‏{‏إِنَّ الله يُحِبُّ‏}‏ ينصر ويكرم ‏{‏الذين يقاتلون فِى سَبِيلِهِ صَفّاً‏}‏ حال، أي صافين ‏{‏كَأَنَّهُم بنيان مَّرْصُوصٌ‏}‏ ملزق بعضه إلى بعض ثابت‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏5‏]‏

‏{‏وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ‏(‏5‏)‏‏}‏

‏{‏وَ‏}‏ اذكر ‏{‏إِذْ قَالَ موسى لِقَوْمِهِ ياقوم لِمَ تُؤْذُونَنِى‏}‏ قالوا‏:‏ إنه آدر، أي منتفخ الخصية وليس كذلك، وكذبوه ‏{‏وَقَدْ‏}‏ للتحقيق ‏{‏تَّعْلَمُونَ أَنّى رَسُولُ الله إِلَيْكُمْ‏}‏ الجملة حال، والرسول يحترم ‏{‏فَلَمَّا زَاغُواْ‏}‏ عدلوا عن الحق بإيذائه ‏{‏أَزَاغَ الله قُلُوبَهُمْ‏}‏ أمالها عن الهدى على وفق ما قدره في الأزل ‏{‏والله لاَ يَهْدِى القوم الفاسقين‏}‏ الكافرين في علمه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏6‏]‏

‏{‏وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ ‏(‏6‏)‏‏}‏

‏{‏وَ‏}‏ اذكر ‏{‏إِذْ قَالَ عِيسَى ابن مَرْيَمَ يابنى إسراءيل‏}‏ لم يقل‏:‏ يا قوم لأنه لم يكن له فيهم قرابة ‏{‏إِنّى رَسُولُ الله إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَىَّ‏}‏ قبلي ‏{‏مِنَ التوراة وَمُبَشّراً بِرَسُولٍ يَأْتِى مِن بَعْدِى اسمه أَحْمَدُ‏}‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏فَلَمَّا جَاءَهُمُ‏}‏ جاء أحمد الكفار ‏{‏بالبينات‏}‏ الآيات والعلامات ‏{‏قَالُواْ هذا‏}‏ أي المجيء به ‏{‏سِحْرٌ‏}‏ وفي قراءة «ساحر» أي الجائي به ‏(‏مُبينٌ‏)‏ بيّن‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏7‏]‏

‏{‏وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ‏(‏7‏)‏‏}‏

‏{‏وَمَنْ‏}‏ أي لا أحد ‏{‏أَظْلَمُ‏}‏ أشدّ ظلماً ‏{‏مِمَّنِ افترى عَلَى الله الكذب‏}‏ بنسبة الشريك والولد إليه ووصف آياته بالسحر ‏{‏وَهُوَ يدعى إِلَى الإسلام والله لاَ يَهْدِى القوم الظالمين‏}‏ الكافرين‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏8‏]‏

‏{‏يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ‏(‏8‏)‏‏}‏

‏{‏يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُواْ‏}‏ منصوب بأن مقدرة واللام مزيدة ‏{‏نُورَ الله‏}‏ شرعه وبراهينه ‏{‏بأفواههم‏}‏ بأقوالهم إنه سحر وشعر وكهانة ‏{‏والله مُتِمُّ‏}‏ مظهر ‏{‏نُورِهِ‏}‏ وفي قراءة بالإِضافة ‏{‏وَلَوْ كَرِهَ الكافرون‏}‏ ذلك‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏9‏]‏

‏{‏هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ‏(‏9‏)‏‏}‏

‏{‏هُوَ الذي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بالهدى وَدِينِ الحق لِيُظْهِرَهُ‏}‏ يعليه ‏{‏عَلَى الدين كُلّهِ‏}‏ جميع الأديان المخالفة ‏{‏وَلَوْ كَرِهَ المشركون‏}‏ ذلك‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏10‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ‏(‏10‏)‏‏}‏

‏{‏ياأيها الذين ءَامَنُواْ هَلْ أَدُلُّكُمْ على تجارة تُنجِيكُم‏}‏ بالتخفيف والتشديد ‏{‏مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ‏}‏ مؤلم، فكأنهم قالوا نعم فقال‏:‏

تفسير الآية رقم ‏[‏11‏]‏

‏{‏تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ‏(‏11‏)‏‏}‏

‏{‏تُؤْمِنُونَ‏}‏ تدومون على الإِيمان ‏{‏بالله وَرَسُولِهِ وتجاهدون فِى سَبِيلِ الله بأموالكم وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ‏}‏ أنه خير لكم فافعلوه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏12‏]‏

‏{‏يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ‏(‏12‏)‏‏}‏

‏{‏يَغْفِرُ‏}‏ جواب شرط مقدّر، أي إن تفعلوه يغفر ‏{‏لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار ومساكن طَيّبَةً فِى جنات عَدْنٍ‏}‏ إقامة ‏{‏ذلك الفوز العظيم‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏13‏]‏

‏{‏وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ‏(‏13‏)‏‏}‏

‏{‏وَ‏}‏ يؤتكم نعمة ‏{‏أخرى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ الله وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ المؤمنين‏}‏ بالنصر والفتح‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏14‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآَمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ ‏(‏14‏)‏‏}‏

‏{‏ياأيها الذين ءَامَنُواْ كُونُواْ أَنصَارَ الله‏}‏ لدينه وفي قراءة بالإِضافة ‏{‏كَمَا‏}‏ كان الحواريون كذلك، الدال عليه ‏{‏قَالَعِيسَى ابن مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيّينَ مَنْ أنصارى إِلَى الله‏}‏ أي من الأنصار الذين يكونون معي متوجهاً إلى نصرة الله‏؟‏ ‏{‏قَالَ الحواريون نَحْنُ أَنْصَارُ الله‏}‏ والحواريون أصفياء عيسى وهم أوّل من آمن به وكانوا اثني عشر رجلاً من الحور وهو البياض الخالص وقيل كانوا قصارين يحورون الثياب أي يبيضونها ‏{‏فَئَامَنَت طَّائِفَةٌ مِّنَ بَنِى إسراءيل‏}‏ بعيسى ابن مريم، وقالوا إنه عبد الله رُفِعَ إلى السماء ‏{‏وَكَفَرَت طَّائِفَةٌ‏}‏ لقولهم إنه ابن الله رفعه إليه فاقتتلت الطائفتان ‏{‏فَأَيَّدْنَا‏}‏ قوّينا ‏{‏الذين ءَامَنُواْ‏}‏ من الطائفتين ‏{‏على عَدُوّهِمْ‏}‏ الطائفة الكافرة ‏{‏فَأَصْبَحُواْ ظاهرين‏}‏ غالبين‏.‏

سورة الجمعة

تفسير الآية رقم ‏[‏1‏]‏

‏{‏يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ ‏(‏1‏)‏‏}‏

‏{‏يُسَبِّحُ لِلَّهِ‏}‏ ينزهه فاللام زائدة ‏{‏مَا فِي السموات وَمَا فِي الأرض‏}‏ في ذكر «ما» تغليب للأكثر ‏{‏الملك القدوس‏}‏ المنزه عما لا يليق به ‏{‏العزيز الحكيم‏}‏ في ملكه وصنعه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏2‏]‏

‏{‏هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ‏(‏2‏)‏‏}‏

‏{‏هُوَ الذى بَعَثَ فِى الأميين‏}‏ العرب، والأمي‏:‏ من لا يكتب ولا يقرأ كتاباً ‏{‏رَسُولاً مِّنْهُمْ‏}‏ هو محمد صلى الله عليه وسلم ‏{‏يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ ءاياته‏}‏ القرآن ‏{‏وَيُزَكِّيهِمْ‏}‏ يطهرهم من الشرك ‏{‏وَيُعَلِّمُهُمُ الكتاب‏}‏ القرآن ‏{‏والحكمة‏}‏ ما فيه من الأحكام ‏{‏وَإِن‏}‏ مخففة من الثقيلة واسمها محذوف، أي وإنهم ‏{‏كَانُواْ مِن قَبْلُ‏}‏ قبل مجيئه ‏{‏لَفِى ضلال مُّبِينٍ‏}‏ بيِّن‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏3‏]‏

‏{‏وَآَخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ‏(‏3‏)‏‏}‏

‏{‏وَءَاخَرِينَ‏}‏ عطف على الأمّيين، أي الموجودين ‏{‏مِنْهُمْ‏}‏ والآتين منهم بعدهم ‏{‏لمَّا‏}‏ لم ‏{‏يَلْحَقُواْ بِهِم‏}‏ في السابقة والفضل ‏{‏وَهُوَ العزيز الحكيم‏}‏ في ملكه وصنعه وهم التابعون، والاقتصار عليهم كافٍ في بيان فضل الصحابة المبعوث فيهم النبي صلى الله عليه وسلم على من عداهم ممن بعث إليهم وآمنوا به من جميع الإِنس والجنّ إلى يوم القيامة، لأنّ كل قرن خير ممن يليه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏4‏]‏

‏{‏ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ‏(‏4‏)‏‏}‏

‏{‏ذلك فَضْلُ الله يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ‏}‏ النبي ومن ذكر معه ‏{‏والله ذُو الفضل العظيم‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏5‏]‏

‏{‏مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ‏(‏5‏)‏‏}‏

‏{‏مَثَلُ الذين حُمِّلُواْ التوراة‏}‏ كلفوا العمل بها ‏{‏ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا‏}‏ لم يعملوا بما فيها من نعته صلى الله عليه وسلم فلم يؤمنوا به ‏{‏كَمَثَلِ الحمار يَحْمِلُ أَسْفَاراً‏}‏ أي كتباً في عدم انتفاعه بها ‏{‏بِئْسَ مَثَلُ القوم الذين كَذَّبُواْ بئايات الله‏}‏ المصدّقة للنبي صلى الله عليه وسلم والمخصوص بالذمّ محذوف، تقديره هذا المثل ‏{‏والله لاَ يَهْدِى القوم الظالمين‏}‏ الكافرين‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏6‏]‏

‏{‏قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ‏(‏6‏)‏‏}‏

‏{‏قُلْ ياأيها الذين هَادُواْ إِن زَعمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَآءُ لِلَّهِ مِن دُونِ الناس فَتَمَنَّوُاْ الموت إِن كُنتُمْ صادقين‏}‏ تعلق بتمنوا الشرطان على أنّ الأوّل قيد في الثاني أي إن صدقتم في زعمكم أنكم أولياء لله والولي يؤثر الآخرة ومبدؤها الموت فتمنوه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏7‏]‏

‏{‏وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ‏(‏7‏)‏‏}‏

‏{‏وَلاَ يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ‏}‏ من كفرهم بالنبي المستلزم لكذبهم ‏{‏والله عَلِيمٌ بالظالمين‏}‏ الكافرين‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏8‏]‏

‏{‏قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ‏(‏8‏)‏‏}‏

‏{‏قُلْ إِنَّ الموت الذى تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ‏}‏ الفاء زائدة ‏{‏ملاقيكم ثُمَّ تُرَدُّونَ إلى عالم الغيب والشهادة‏}‏ السر والعلانية ‏{‏فَيُنَبّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ‏}‏ فيجازيكم به‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏9‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ‏(‏9‏)‏‏}‏

‏{‏ياأيها الذين ءَامَنُواْ إِذَا نُودِىَ للصلاة مِن‏}‏ بمعنى في ‏{‏يَوْمِ الجمعة فاسعوا‏}‏ فامضوا ‏{‏إلى ذِكْرِ الله‏}‏ أي الصلاة ‏{‏وَذَرُواْ البيع‏}‏ أي اتركوا عقده ‏{‏ذلكم خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ‏}‏ أنه خير فافعلوه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏10‏]‏

‏{‏فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ‏(‏10‏)‏‏}‏

‏{‏فَإِذَا قُضِيَتِ الصلاة فانتشروا فِى الأرض‏}‏ أمر إباحة ‏{‏وابتغوا‏}‏ اطلبوا الرزق ‏{‏مِن فَضْلِ الله واذكروا الله‏}‏ ذكراً ‏{‏كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ‏}‏ تفوزون، كان صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة فقدمت عير وضرب لقدومها الطبل على العادة فخرج لها الناس من المسجد غير اثني عشر رجلاً فنزلت‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏11‏]‏

‏{‏وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ‏(‏11‏)‏‏}‏

‏{‏وَإِذَا رَأَوْاْ تجارة أَوْ لَهْواً انفضوا إِلَيْهَا‏}‏ أي التجارة لأنها مطلوبهم دون اللهو ‏{‏وَتَرَكُوكَ‏}‏ في الخطبة ‏{‏قَآئِماً قُلْ مَا عِندَ الله‏}‏ من الثواب ‏{‏خَيْرٌ‏}‏ للذين آمنوا ‏{‏مِّنَ اللهو وَمِنَ التجارة والله خَيْرُ الرازقين‏}‏ يقال‏:‏ كل إنسان يرزق عائلته، أي من رزق الله تعالى‏.‏

سورة المنافقون

تفسير الآية رقم ‏[‏1‏]‏

‏{‏إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ‏(‏1‏)‏‏}‏

‏{‏إِذَا جَاءَكَ المنافقون قَالُواْ‏}‏ بألسنتهم على خلاف ما في قلوبهم ‏{‏نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ الله والله يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ والله يَشْهَدُ‏}‏ يعلم ‏{‏إِنَّ المنافقين لكاذبون‏}‏ فيما أضمروه مخالفاً لما قالوه‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏2‏]‏

‏{‏اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ‏(‏2‏)‏‏}‏

‏{‏اتخذوا أيمانهم جُنَّةً‏}‏ سترة على أموالهم ودمائهم ‏{‏فَصَدُّواْ‏}‏ بها ‏{‏عَن سَبِيلِ الله‏}‏ أي من الجهاد فيهم ‏{‏إِنَّهُمْ سَآءَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏3‏]‏

‏{‏ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ ‏(‏3‏)‏‏}‏

‏{‏ذلك‏}‏ أي سوء عملهم ‏{‏بِأَنَّهُمْ ءَامَنُواْ‏}‏ باللسان ‏{‏ثُمَّ كَفَرُواْ‏}‏ بالقلب، أي استمروا على كفرهم به ‏{‏فَطُبِعَ‏}‏ ختم ‏{‏على قُلُوبِهِمْ‏}‏ بالكفر ‏{‏فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ‏}‏ الإِيمان‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏4‏]‏

‏{‏وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ‏(‏4‏)‏‏}‏

‏{‏وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ‏}‏ لجمالها ‏{‏وَإِن يَقُولُواْ تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ‏}‏ لفصاحته ‏{‏كَأَنَّهُمْ‏}‏ من عظم أجسامهم في ترك التفهم ‏{‏خُشُبٌ‏}‏ بسكون الشين وضمها ‏{‏مُّسَنَّدَةٌ‏}‏ ممالة إلى الجدار ‏{‏يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ‏}‏ تصاح كنداء في العسكر وإنشاد ضالة ‏{‏عَلَيْهِمْ‏}‏ لما في قلوبهم من الرعب أن ينزل فيهم ما يبيح دماءهم ‏{‏هُمُ العدو فاحذرهم‏}‏ فإنهم يفشون سرك للكفار ‏{‏قاتلهم الله‏}‏ أهلكهم ‏{‏أنى يُؤْفَكُونَ‏}‏ كيف يصرفون عن الإِيمان بعد قيام البرهان‏؟‏

تفسير الآية رقم ‏[‏5‏]‏

‏{‏وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ ‏(‏5‏)‏‏}‏

‏{‏وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ‏}‏ معتذرين ‏{‏يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ الله لَوَّوْاْ‏}‏ بالتشديد والتخفيف عطفوا ‏{‏رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ‏}‏ يعرضون عن ذلك ‏{‏وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏6‏]‏

‏{‏سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ‏(‏6‏)‏‏}‏

‏{‏سَوآءُ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ‏}‏ استغنى بهمزة الاستفهام عن همزة الوصل ‏{‏أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ الله لَهُمْ إِنَّ الله لاَ يَهْدِى القوم الفاسقين‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏7‏]‏

‏{‏هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ ‏(‏7‏)‏‏}‏

‏{‏هُمُ الذين يَقُولُونَ‏}‏ لأصحابهم من الأنصار ‏{‏لاَ تُنفِقُواْ على مَنْ عِندَ رَسُولِ الله‏}‏ من المهاجرين ‏{‏حتى يَنفَضُّواْ‏}‏ يتفرقوا عنه ‏{‏وَلِلَّهِ خَزَآئِنُ السماوات والأرض‏}‏ بالرزق فهو الرازق للمهاجرين وغيرهم ‏{‏ولكن المنافقين لاَ يَفْقَهُونَ‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏8‏]‏

‏{‏يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ ‏(‏8‏)‏‏}‏

‏{‏يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنآ‏}‏ أي من غزوة بني المصطلق ‏{‏إِلَى المدينة لَيُخْرِجَنَّ الأعز‏}‏ عنوا به أنفسهم ‏{‏مِنْهَا الأذل‏}‏ عنوا به المؤمنين ‏{‏وَلِلَّهِ العزة‏}‏ الغلبة ‏{‏وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ولكن المنافقين لاَ يَعْلَمُونَ‏}‏ ذلك‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏9‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ‏(‏9‏)‏‏}‏

‏{‏يَعْلَمُونَ ياأيها الذين ءَامَنُواْ لاَ تُلْهِكُمْ‏}‏ تشغلكم ‏{‏أموالكم وَلآ أولادكم عَن ذِكْرِ الله‏}‏ الصلوات الخمس ‏{‏وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فأولئك هُمُ الخاسرون‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏10‏]‏

‏{‏وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ ‏(‏10‏)‏‏}‏

‏{‏وَأَنفِقُواْ‏}‏ في الزكاة ‏{‏مِن مَّا رزقناكم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِىَ أَحَدَكُمُ الموت فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلآ‏}‏ بمعنى هلا، أو «لا» زائدة «ولو» للتمني ‏{‏أَخَّرْتَنِى إلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ‏}‏ بإدغام التاء في الأصل في الصاد أتصدّق بالزكاة ‏{‏وَأَكُن مِّنَ الصالحين‏}‏ بأن أحجّ، قال ابن عباس رضي الله عنهما‏:‏ ما قصر أحد في الزكاة والحج إلا سأل الرجعة عند الموت‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏11‏]‏

‏{‏وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ‏(‏11‏)‏‏}‏

‏{‏وَلَن يُؤَخِّرَ الله نَفْساً إِذَا جآءَ أَجَلُهَا والله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ‏}‏ بالتاء والياء‏.‏

سورة التغابن

تفسير الآية رقم ‏[‏1‏]‏

‏{‏يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ‏(‏1‏)‏‏}‏

‏{‏يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِى السماوات وَمَا فِى الأرض‏}‏ أي ينزهه فاللام زائدة، وأتى ب «ما» دون «من» تغليباً للأكثر ‏{‏لَهُ الملك وَلَهُ الحمد وَهُوَ على كُلِّ شَئ قَدِيرٌ‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏2‏]‏

‏{‏هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ‏(‏2‏)‏‏}‏

‏{‏هُوَ الذى خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ‏}‏ في أصل الخلقة ثم يميتكم ويعِيدكُمْ على ذلك ‏{‏والله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏3‏]‏

‏{‏خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ‏(‏3‏)‏‏}‏

‏{‏خَلَقَ السماوات والأرض بالحق وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ‏}‏ إذ جعل شكل الآدمي أحسن الأشكال ‏{‏وَإِلَيْهِ المصير‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏4‏]‏

‏{‏يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ‏(‏4‏)‏‏}‏

‏{‏يَعْلَمُ مَا فِى السماوات والأرض وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ والله عَلِيمُ بِذَاتِ الصدور‏}‏ بما فيها من الأسرار والمعتقدات‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏5‏]‏

‏{‏أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ فَذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ‏(‏5‏)‏‏}‏

‏{‏أَلَمْ يَأْتِكُمْ‏}‏ يا كفار مكة ‏{‏نَبَؤُاْ‏}‏ خبر ‏{‏الذين كَفَرُواْ مِن قَبْلُ فَذَاقُواْ وَبَالَ أَمْرِهِمْ‏}‏ عاقبة كفرهم في الدنيا ‏{‏وَلَهُمْ‏}‏ في الآخرة ‏{‏عَذَابٌ أَلِيمٌ‏}‏ مؤلم‏؟‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏6‏]‏

‏{‏ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ‏(‏6‏)‏‏}‏

‏{‏ذلك‏}‏ أي عذاب الدنيا ‏{‏بِأَنَّهُ‏}‏ ضمير الشأن ‏{‏كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بالبينات‏}‏ الحجج الظاهرات على الإِيمان ‏{‏فَقَالُواْ أَبَشَرٌ‏}‏ أريد به الجنس ‏{‏يَهْدُونَنَا فَكَفَرُواْ وَتَوَلَّواْ‏}‏ عن الإِيمان ‏{‏واستغنى الله‏}‏ عن إيمانهم ‏{‏والله غَنِىٌّ‏}‏ عن خلقه ‏{‏حَمِيدٌ‏}‏ محمود في أفعاله‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏7‏]‏

‏{‏زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ‏(‏7‏)‏‏}‏

‏{‏زَعَمَ الذين كَفَرُواْ أَن‏}‏ مخففة واسمها محذوف، أي أنهم ‏{‏لَّن يُبْعَثُواْ قُلْ بلى وَرَبِّى لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وذلك عَلَى الله يَسِيرٌ‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏8‏]‏

‏{‏فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ‏(‏8‏)‏‏}‏

‏{‏فَئَامِنُواْ بالله وَرَسُولِهِ والنور‏}‏ القرآن ‏{‏الذى أَنزَلْنَا والله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏9‏]‏

‏{‏يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ‏(‏9‏)‏‏}‏

اذكر ‏{‏يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الجمع‏}‏ يوم القيامة ‏{‏ذَلِكَ يَوْمُ التغابن‏}‏ يغبن المؤمنون الكافرين بأخذ منازلهم وأهليهم في الجنة لو آمنوا ‏{‏وَمَن يُؤْمِن بالله وَيَعْمَلْ صالحا يُكَفِّرْ عَنْهُ سيئاته وَيُدْخِلْهُ‏}‏ وفي قراءة ‏(‏نكفر‏)‏ و‏(‏ندخله‏)‏ بالنون في الفعلين ‏{‏جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار خالدين فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الفوز العظيم‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏10‏]‏

‏{‏وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ‏(‏10‏)‏‏}‏

‏{‏والذين كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بئاياتنا‏}‏ القرآن ‏{‏أولئك أصحاب النار خالدين فِيهَا وَبِئْسَ المصير‏}‏ هي‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏11‏]‏

‏{‏مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ‏(‏11‏)‏‏}‏

‏{‏مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ الله‏}‏ بقضائه ‏{‏وَمَن يُؤْمِن بالله‏}‏ في قوله‏:‏ إن المصيبة بقضائه ‏{‏يَهْدِ قَلْبَهُ‏}‏ للصبر عليها ‏{‏والله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏12‏]‏

‏{‏وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ‏(‏12‏)‏‏}‏

‏{‏وَأَطِيعُواْ الله وَأَطيعُواْ الرسول فَإِن تَولَّيْتُمْ فَإِنَّمَا على رَسُولِنَا البلاغ المبين‏}‏ البيّن‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏13‏]‏

‏{‏اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ‏(‏13‏)‏‏}‏

‏{‏الله لاَ إله إِلاَّ هُوَ وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ المؤمنون‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏14‏]‏

‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ‏(‏14‏)‏‏}‏

‏{‏ياأيها الذين ءَامَنُواْ إِنَّ مِنْ أزواجكم وأولادكم عَدُوّاً لَّكُمْ فاحذروهم‏}‏ أن تطيعوهم في التخلف عن الخير كالجهاد والهجرة فإن سبب نزول الآية الإِطاعة في ذلك ‏{‏وَأَن تَعْفُواْ‏}‏ عنهم في تثبيطهم إياكم عن ذلك الخير معتلين بمشقة فراقكم عليهم ‏{‏وَتَصْفَحُواْ وَتَغْفِرُواْ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏15‏]‏

‏{‏إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ‏(‏15‏)‏‏}‏

‏{‏إِنَّمَا أموالكم وأولادكم فِتْنَةٌ‏}‏ لكم شاغلة عن أمور الآخرة ‏{‏والله عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ‏}‏ فلا تفوتوه باشتغالكم بالأموال والأولاد‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏16‏]‏

‏{‏فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ‏(‏16‏)‏‏}‏

‏{‏فاتقوا الله مَا استطعتم‏}‏ ناسخة لقوله‏:‏ ‏{‏اتقوا الله حَقَّ تُقَاتِهِ‏}‏ ‏[‏102‏:‏ 3‏]‏ ‏{‏واسمعوا‏}‏ ما أمرتم به سماع قبول ‏{‏وَأَطِيعُواْ وَأَنْفِقُواْ‏}‏ في الطاعة ‏{‏خَيْراً لأَنفُسِكُمْ‏}‏ خبر يكن مقدّرة جواب الأمر ‏{‏وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فأولئك هُمُ المفلحون‏}‏ الفائزون‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏17‏]‏

‏{‏إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ ‏(‏17‏)‏‏}‏

‏{‏إِن تُقْرِضُواْ الله قَرْضاً حَسَناً‏}‏ بأن تتصدّقوا عن طيب قلب ‏{‏يضاعفه لَكُمْ‏}‏ وفي قراءة «يضعِّفه» بالتشديد بالواحدة عشراً إلى سبعمائة وأكثر ‏[‏261‏:‏ 2‏]‏ ‏{‏وَيَغْفِرْ لَكُمْ‏}‏ ما يشاء ‏{‏والله شَكُورٌ‏}‏ مجاز على الطاعة ‏{‏حَلِيمٌ‏}‏ في العقاب على المعصية‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏18‏]‏

‏{‏عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ‏(‏18‏)‏‏}‏

‏{‏عالم الغيب‏}‏ السرّ ‏{‏والشهادة‏}‏ العلانية ‏{‏العزيز‏}‏ في ملكه ‏{‏الحكيم‏}‏ في صنعه‏.‏